أيها الناس: ليس عيباً أن نقر ونعترف بأننا مستضعفون، فالله عز وجل يقول (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ)، وليس عاراً أن يقول الأسير إنني مكبل مسجون، فقول الحق فضيلة، وهو للمسلم أفضل خُلق. أخرج البخاري في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة}. أما أن يقول رجل إني حر طليق وهو سجين مقيد، فهو الكذب والعار، أو أن يقول إني بطل مقاوم، ويوهم الناس بأنه يريد تحرير الوطن وطرد العدو الغاصب المحتل، وهو مفاوض متهالك، ومتآمر خائن، ومسالم مستسلم، ولذات الوطن الذي زعم تحريره إلى ذياك الغاصب المحتل مسلِّم، وبه مفرط، فإنها إحدى الكُبر.
أيها الناس: لما هدمت الخلافة الإسلامية العثمانية قبل نيف وثمانين عاما، وقعت فلسطين والمسجد الأقصى تحت الاحتلال الكافر، وكذلك باقي بلاد المسلمين، ومنذ ذلك الحين والقوم يزايدون عليها وعلى المسجد الأقصى، واتخذوه كقميص عثمان -رغم أن الدم الذي عليه حقيقي لا كذب- وجاء الحكام شعوبهم عِشاءً يبكون، وعلى أطلاله وصوره وقبة الصخرة المذهبة يتسولون، وما وجد الأقصى حتى اليوم من يفك أسره، أو يسعى بشكل جدي لتحريره. والسبب في ذلك بسيط فهمه، كبير حجمه، مؤلم وقعه، معقد شكله، فجميع المسلمين هم أسرى كالمسجد الأقصى، وكلهم يعاني من وطأة الأسر السياسي والفكري والاقتصادي والعسكري وغيره، ولا يمكن للأقصى أن يحرر إلا أن يحرر أهله المسلمون أولا، ولا يحرر أهله إلا بتحرك الأقوياء منهم لكسر القيود والانقضاض كالأسود على سجانيهم من الحكام، وتدمير عروش الظلم والطغيان، ثم فتح الحدود، والزحف لطرد الجنود.
أيها الناس: هذه هي الحقيقة الساطعة التي لا يمكن إخفاؤها ولا يصح، فنحن أمة إرادتها مسلوبة، وحقوقنا المشروعة في التعبير عن سخطنا لتعطيل الحكم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه السلام مهضومة، وإمكانية الاحتجاج على تدنيس مقدساتنا، وغلاء أسعارنا، وامتهان كرامتنا، والتطاول على مقام نبينا شبه معدومة. فمن منكم استطاع أن يصل إلى المسجد الأقصى ليعبر عن رفضه لمحاولات اقتحامه قبل أيام قليلة؟ ومن منكم يملك منع اقتحامه حتى لو سُمح له بالوصول؟ ولو حاول من هم دون الخمسين منكم شد الرحال إليه فهل كانوا سينجحون؟ كذلك فُعل بإخوانكم في باقي المدن والقرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع، وباقي مسلمي العالم الإسلامي، فكلٌ قد وجد من يمنعه. فكان لا بد من البيان، ولا يصح أن نبقى نرزح تحت نير التعمية والتضليل ونار إعلام هذا الزمان، ولا يجوز أن تبقى أعناقنا خاضعة لذرائع الحكام الواهية كالوسنان. فبعضهم يتذرع بأنه لا يريد أن ينجر إلى صراع أو مواجهة مع قوات الاحتلال، ونتساءل: “إذا لم يجرنا الأقصى إلى مواجهة فمتى سنتحرك؟” وآخرون يتذرعون بأنهم يريدون احترام تواقيعهم على اتفاقيات السلام والتفاهمات، ألا تعست تلكم الاتفاقيات والتفاهمات إذا أغضبت رب الكائنات، ومنعتنا من الدفاع عن المقدسات. ويتذرع الجميع بأنهم جزء من المنظومة الدولية التي تنظم العمل السياسي وأعمال المقاومة في ظروف الاحتلال، وأنهم يراعون متطلبات اللياقة الدبلوماسية في طرد المحتلين ومعاقبة المعتدين، ألا ساء ما يحكمون.